مفهوم الحوكمة المؤسسية

مفهوم الحوكمة المؤسسية
مفهوم الحوكمة المؤسسية

مقدمة عامة

أصبحت بعض المفاهيم الإدارية الحديثة والممارسات العامة مثل “الإدارة الرشيدة” و “الحوكمة”، وكلمات مثل “المؤسسية” و “الذكية” وغيرها من المصطلحات الجديدة، مفاهيم شائعة جدًا في الأيام الحالية في لغتنا العربية المعاصرة. يستخدم الجميع هذه المصطلحات بكثافة في الحياة العملية المعاصرة. نظرًا لأهمية هذه المفاهيم والمصطلحات وتأثيرها الكبير على أعمالنا اليومية، من الضروري أن نوليها الاهتمام اللازم وأن نبحث عن تفسيراتها الصحيحة قبل أن نشير إليها ونستخدمها في تفاعلاتنا المختلفة. يجب أن تحمل نفس المعاني والأهداف الوظيفية التي تم تطويرها لأجلها. يجب علينا تحديد التعريف الصحيح لهذه المصطلحات وغيرها من المفاهيم المستخدمة في أفضل الممارسات العامة. هذا يعزز الوعي والتفهم ويساهم في نشرها كثقافة عامة تندرج تحت سمة العصر. يهدف هذا المقال إلى تحقيق سلسلة من “ثقافة مؤسسية متميزة”، ويعمل على تعزيز الفهم والاستيعاب لتلك المفاهيم والمصطلحات الإدارية الحديثة بشكل عام. وبشكل خاص، يركز على أهمية تبني وتطبيق مفاهيم الحوكمة المؤسسية المعاصرة، ونشرها بين مواردنا البشرية في القطاعين العام والخاص.

فعلى سبيل المثال، ينبغي أن يحمل مفهوم الحوكمة معنى الإدارة الرشيدة والفعالة، كما هو معروف في اللغة الإنجليزية بمصطلح “Governance” في موسوعة ويكيبيديا. وقد أصبح يستخدم ليشمل معانٍ مرتبطة بأدوات وآليات الإدارة الحديثة، مثل نظم العولمة ومعايير الأداء والجودة الشاملة وإدارة المشاريع. تُعرف “الحوكمة” على أنها الأنشطة والعمليات والإجراءات التي يتبناها وينفذها مجالس الإدارة العليا والمديرون التنفيذيون في إدارة المؤسسة. تهدف هذه الأنشطة إلى السيطرة على جوانب الإدارة والممارسات المؤسسية، واستخدامها لتحقيق أهداف الخطط الاستراتيجية للمؤسسة، وخاصة فيما يتعلق بالاستثمارات أو مواكبة متطلبات النمو والتطور والتفوق في مجالات الحوسبة والأتمتة الرقمية. لذلك، تلعب الحوكمة دورًا في صياغة أهداف ومبادئ عمليات التخطيط الاستراتيجي للمؤسسة وتحديد المفاهيم والمصطلحات الداعمة لها. يتم تطبيق هذه المفاهيم والمصطلحات خلال إدارة المؤسسة، من خلال آليات تنفيذ الخطط التشغيلية وعمليات تحسين الخدمات المستدامة في إطار إدارة الجودة الشاملة، وتستمر حتى نهاية الدورة الزمنية للخطة الاستراتيجية المعتمدة وتحقيق أهدافها.

مثال على ذلك هو مفهوم الرؤية، الذي يعبر عن التطلعات والأهداف المستقبلية المتوقعة للمؤسسة. والرسالة، التي تحدد القيم والتزامات المؤسسة في الحاضر والمستقبل. كما يشمل ذلك الممكنات، أي القدرات التي تمتلكها المؤسسة في الوقت الحالي والتي تميزها وتعطيها ميزة تنافسية. وتشمل القيم المؤسسية الصدق والمرونة والشفافية والتعاون والسرعة والعدالة والحرفية والعمل الجماعي والمسؤولية والابتكار. تعتبر هذه القيم محورية للمؤسسة وتميزها عن الأخريات، سواء من حيث القيمة المادية أو القيمة المعنوية. يجب أن تكون هذه القيم سهلة التعرف والقياس والتعبير عنها، وأن تتميز المؤسسة بها وتتفرد بها في سوق الأعمال.

بشكل عام، تتطلب مفاهيم الحوكمة المؤسسية المعاصرة فهمًا واستيعابًا صحيحًا لها. يجب أن تنشر وتعتمد هذه المفاهيم بين موارد العمل البشرية في القطاعين العام والخاص. وهذا يساهم في تحقيق ثقافة مؤسسية متميزة، تعزز الوعي والإدراك بأهمية تطبيق هذه المفاهيم في الحياة المؤسسية العصرية. لذا، أصبح من الضروري توحيد المفردات والمصطلحات اللغوية الملائمة لهذه المفاهيم عند استخدامها أو الإشارة إليها، وتحديد تعريفاتها الصحيحة وتعزيز الوعي بأهميتها والتزام الجميع بها كجزء من الثقافة العامة للمؤسسات. لذلك، ينبغي أن يتم الاهتمام بمفاهيم الحوكمة المؤسسية وتطبيقها بشكل متسق وفعال لتعزيز الأداء والتميز في المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء.

العلاقة بين الحوكمة المؤسسية العمودية والأفقية 

الحوكمة المؤسسية العمودية والأفقية تشيران إلى نوعين مختلفين من العلاقات والهياكل في سياق الحوكمة المؤسسية.

  1. الحوكمة المؤسسية العمودية (Vertical Corporate Governance): تعني العلاقات والهياكل التنظيمية داخل المؤسسة الواحدة. تشمل هذه العلاقات التوزيع الصحيح للسلطات والمسؤوليات بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة وبين الأقسام والإدارات المختلفة داخل المؤسسة. تهدف الحوكمة المؤسسية العمودية إلى ضمان وجود بيئة إدارية فعالة وشفافة داخل المؤسسة وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة والتوازن في صنع القرارات.
  2. الحوكمة المؤسسية الأفقية (Horizontal Corporate Governance): تعني العلاقات والتفاعلات بين المؤسسات المختلفة أو الشركات في نفس القطاع أو الصناعة. تهدف الحوكمة المؤسسية الأفقية إلى تعزيز التعاون والشراكة بين المؤسسات وتبادل المعلومات والممارسات الجيدة والتعامل بشكل عادل ومتوازن فيما بينها. يمكن أن تتضمن الحوكمة المؤسسية الأفقية أيضًا عناصر مثل الاندماج والاستحواذ وتكوين التحالفات الاستراتيجية بين المؤسسات.

باختصار، الحوكمة المؤسسية العمودية ترتكز على العلاقات التنظيمية داخل المؤسسة، في حين تركز الحوكمة المؤسسية الأفقية على العلاقات بين المؤسسات المختلفة.

خصائص وضوابط الإدارة الرشيدة / الحوكمة المؤسسية

تتميز الإدارة الرشيدة أو الحوكمة المؤسسية بمجموعة من الخصائص والضوابط التي تهدف إلى تحقيق المبادئ الأساسية للشفافية والمساءلة والمسؤولية والعدالة. وفيما يلي بعض هذه الخصائص والضوابط:

  1. شفافية المعلومات: تشمل إفصاح كافة المعلومات ذات الصلة للمساهمين والأطراف الأخرى المعنية. يتم ضمان توفر المعلومات اللازمة والدقيقة لاتخاذ قرارات مستنيرة وفهم الوضع المالي والأداء التشغيلي للمؤسسة.
  2. مساءلة الأطراف ذات العلاقة: تتطلب من الأطراف المشاركة في المؤسسة أن تكون مسؤولة عن أعمالها وقراراتها. يجب أن يتم تحديد المسؤوليات وتوزيعها بوضوح، ويجب أن يكون هناك آليات لمراقبة أداء الأطراف وتقييمه.
  3. توازن القوى والمصالح: يجب أن يتم التعامل بمنتهى العدالة والمساواة مع جميع الأطراف ذات العلاقة، بما في ذلك المساهمين والموظفين والعملاء والمجتمع المحيط. يجب تجنب التحيز وضمان أن تتوافق قرارات الإدارة مع المصلحة العامة والقوانين والأنظمة المعمول بها.
  4. دور مجلس الإدارة: يتعين على مجلس الإدارة أن يكون نزيهًا ومستقلاً ويضطلع بمسؤولياته بكفاءة. يتعين على المجلس أن يوفر الإشراف والتوجيه والرقابة اللازمة للإدارة التنفيذية ويضمن تحقيق المصالح الطويلة الأجل للمؤسسة والمساهمين.
  5. الامتثال للقوانين واللوائح: يجب أن تلتزم المؤسسة بالقوانين واللوائح السارية والمعمول بها في القطاع الذي تعمل فيه. يجب توفير هياكل تنظيمية تضمن الامتثال للتشريعات المالية والقوانين البيئية والقوانين العمل وغيرها.

تلتزم الحوكمة المؤسسية بتوجيهات ومعايير دولية مثل مبادئ حوكمة الشركات التي وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وهي تطبق على العديد من الأطراف ذات العلاقة بالمؤسسات بما في ذلك الحكومات والمؤسسات العامة والشركات الخاصة والمستثمرين والمجتمع المدني وغيرهم.

 أهم ضوابط وقواعد الحوكمة

تتمثل أهم ضوابط وقواعد الحوكمة في ما يلي:

  1. حقوق المساهمين: يجب حماية حقوق المساهمين وتعزيز مشاركتهم في صنع القرارات المهمة، وضمان حصولهم على المعلومات اللازمة والموثوقة حول الأداء المالي والتشغيلي للمؤسسة.
  2. المعاملة المتكافئة للمساهمين: يجب ضمان المعاملة المنصفة والمتكافئة لجميع المساهمين، بما في ذلك حقوق الأقلية وعدم التمييز غير المبرر.
  3. دور أصحاب المصالح: يجب مراعاة مصالح جميع أطراف المؤسسة المعنية، بما في ذلك الموظفين والعملاء والمجتمع المحيط، وضمان توافق الأهداف والقرارات مع المصلحة العامة.
  4. الإفصاح والشفافية: يجب توفير معلومات شافية ومفصلة للجميع، بما في ذلك المساهمين والجمهور، حول الأداء المالي والعمليات والمخاطر المتعلقة بالمؤسسة.
  5. مسؤوليات مجلس الإدارة: يتعين على مجلس الإدارة أداء دوره بكفاءة ونزاهة، والمسؤولية عن اتخاذ القرارات الاستراتيجية والرقابة على الإدارة التنفيذية وتحقيق المصالح الطويلة الأجل للمؤسسة.

يجب على المؤسسات تبني وتنفيذ هذه الضوابط والقواعد لتحقيق أفضل ممارسات الحوكمة المؤسسية وتعزيز النزاهة والمساءلة والثقة بين الأطراف المعنية.

فوائد تبني وتطبيق منظومة الحوكمة

تبني وتطبيق منظومة الحوكمة يمكن أن يوفر العديد من الفوائد، ومن بينها:

  1. تحسين استخدام الموارد: يشجع نظام الحوكمة المؤسسات على استخدام مواردها بطريقة أمثل، مما يسهم في زيادة الكفاءة وتحقيق التوازن في الأداء المالي والتشغيلي.
  2. تحقيق النمو المستدام: يساهم نظام الحوكمة في خلق بيئة ملائمة للنمو المستدام وتعزيز الإبداع والابتكار داخل المؤسسة، مما يؤدي إلى تحقيق النجاح والاستدامة على المدى الطويل.
  3. استقرار رؤوس الأموال المستثمرة: يؤمن نظام الحوكمة ثقة المستثمرين ويقلل من المخاطر المرتبطة بالاستثمار، مما يؤدي إلى جذب المزيد من رؤوس الأموال وتعزيز استقرارها في المؤسسة.
  4. تسهيل عمليات الرقابة المالية: يساعد نظام الحوكمة في تسهيل عمليات الرقابة المالية والإشراف على أداء المؤسسة، وذلك من خلال وضع آليات رقابية فعالة وتحقيق المزيد من الشفافية والمساءلة.
  5. تعزيز الشفافية والمساءلة: يهدف نظام الحوكمة إلى تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة داخل المؤسسة، وذلك من خلال ضمان توافق القرارات والأعمال مع المعايير الأخلاقية والقوانين المعمول بها.

مبادئ منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي للحكم المشترك

من جانب آخر، تحدد منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي مجموعة من المبادئ للحكم المشترك تتضمن:

  • ضمان وجود إطار فعال للحكم المشترك.
  • حماية حقوق المساهمين وتعزيز الملكية الأساسية.
  • ضمان المعاملة العادلة والمتساوية للمساهمين.
  • تعزيز دور أصحاب المصلحة في الحكم المشترك.
  • تعزيز الإفصاح والشفافية في الأنشطة المؤسسية.
  • تحديد مسؤوليات مجلس الإدارة في تحقيق الحكم المشترك.

تبني وتطبيق هذه المبادئ يساهم في تعزيز الحوكمة المؤسسية وتحقيق النزاهة والمساءلة في عمل المؤسسات.

الأطراف الرئيسية للحوكمة المؤسسية

العلاقة بين الأطراف الرئيسية في المؤسسة تتمحور حول التزام وتفاعل بينهم، وتتضمن العلاقات التالية:

  1. أصحاب العلاقة – الملاك والمعنيون والشركاء: يتمثلون في أصحاب المصلحة الرئيسيين في المؤسسة، وهم الملاك والمساهمون والشركاء الذين يمتلكون حصصًا في المؤسسة. لديهم حقوق وواجبات، وتتطلب العلاقة مستوى عالٍ من التفاهم والتواصل لتحقيق المصالح المشتركة واستدامة المؤسسة.
  2. مجلس إدارة المؤسسة / الحكومة: يُعتبر مجلس الإدارة هيئة قيادية مهمة في المؤسسة، ويمثل أصحاب المصلحة ويتحمل مسؤولية توجيه ورقابة إدارة المؤسسة. قد يتكون من أعضاء داخليين وخارجيين، ويعمل على صياغة الاستراتيجيات واتخاذ القرارات الرئيسية التي تؤثر في المؤسسة.
  3. الإدارة التنفيذية: تتولى المسؤولية اليومية لإدارة المؤسسة وتنفيذ سياسات وقرارات مجلس الإدارة. تشمل الإدارة التنفيذية المدير التنفيذي وفرق الإدارة المختلفة، وتعمل على تحقيق أهداف المؤسسة وتنفيذ الخطط والبرامج المعتمدة.

تلك العلاقات تحتاج إلى التفاهم والتنسيق بين جميع الأطراف لتحقيق النجاح والاستدامة في المؤسسة، وضمان تحقيق المصالح المشتركة والوفاء بالتزامات الجميع.

تعريف مفهوم الحوكمة المؤسسية (Governance)

مفهوم الحوكمة المؤسسية (Governance) يشير إلى مجموعة الضوابط والمعايير والإجراءات التي تهدف إلى تحقيق إدارة فعالة وانضباط في المؤسسة. يتضمن توزيع الأدوار والمسؤوليات بين الأطراف المعنية مثل المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية. يتم تحقيق ذلك من خلال تبني معايير عالمية ووضع سياسات وإجراءات تضمن الشفافية والمساءلة وحماية حقوق جميع أصحاب المصلحة المعنيين بالمؤسسة.

تتضمن مفهوم الحوكمة المؤسسية أيضًا وجود أنظمة داخلية للإشراف والرقابة تهدف إلى ضمان التزام المؤسسة والعاملين بها بالقوانين والأنظمة المعمول بها. وتشمل أيضًا وضع وتقييم وسائل إدارة المخاطر في المؤسسة وتنفيذ قواعد الحوكمة بطريقة سليمة.

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تعرف الحوكمة المؤسسية على أنها “مجموعة من العلاقات التي تربط بين القائمين على إدارة المؤسسة ومجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم من أصحاب المصلحة”. تعتبر OECD منظمة دولية تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول المتقدمة.

من جانبها، تعرف مؤسسة التمويل الدولية (IFC) الحوكمة بأنها “النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها”. تعد مؤسسة التمويل الدولية جزءًا من مجموعة البنك الدولي وتركز على تمويل القطاع الخاص في الدول النامية.

باختصار، الحوكمة تهدف إلى ضمان إدارة فعالة وشفافة للمؤسسة، وتحقيق المساءلة وحماية حقوق جميع أصحاب المصلحة المعنيين.

السياسات والمعاملات الحكومية والحوكمة المؤسسية الذكية

تعد السياسات الحكومية والحوكمة المؤسسية الذكية عناصر حاسمة في مفهوم المدن الذكية. تشمل هذه العناصر النظم الإدارية الفعالة والمتكاملة والمتجانسة، والتي يتم دعمها بوجود قوانين وسياسات وقيم مؤسسية. تهدف هذه العناصر إلى ضمان اعتماد وتطبيق متطلبات الإدارة الرشيدة في جوانب العمل المؤسسي بشكل شامل.

تشمل دور المؤسسات الحكومية في هذا السياق تنفيذ السلطة في إدارة موارد الدولة الاقتصادية والاجتماعية، وترشيد النفقات وتعزيز الإيرادات. يجب أن تتبنى المؤسسات الحكومية أيضًا أنظمة إدارية حديثة في مجالات التنمية والتوعية والمحافظة على القيم والسلوكيات.

يجب أن تقوم المؤسسات الحكومية بإدارة الارتباطات والمواثيق والقوانين، مع مراعاة التوجهات العالمية. يعتبر وجود القوانين والتشريعات التي تنظم الحركة السياسية وتشكيل الاستراتيجيات وتطبيق المنظومة الإدارية الرشيدة للهياكل وأنماط الحوكمة المؤسسية من الأساسيات للتفكير في مفهوم المدينة الذكية.

بشكل عام، تتكون الحوكمة المؤسسية من ممارسة السلطة في إدارة موارد الدولة الاقتصادية والاجتماعية من أجل التنمية، والنظام الفعال والمتكامل المدعوم بالقوانين والسياسات والقيم لضمان تطبيق الإدارة الرشيدة في جوانب العمل المؤسسي، ونظام إدارة العمليات المؤسسية وتصنيفها وتحسينها مع ترشيد النفقات وتعزيز الإيرادات المؤسسية.

بالتالي، يجب أن تكون السياسات الحكومية والحوكمة المؤسسية مترابطة ومتجانسة، وأن تعتمد على نظم إدارية حديثة تضمن التنمية والاستدامة، وأن تتبنى قيمًا مؤسسية تعزز الشفافية والمساءلة وحماية حقوق جميع أصحاب المصلحة.

التمييز بين أنواع وخصائص الحكومة والحكومة

التمييز بين أنواع وخصائص الحكومة والحوكمة يتم عبر فهم المفهومين بشكل منفصل. الحكومة تشمل أنواعًا مختلفة مثل الحكومة الجغرافية السياسية (الدولة القومية)، والحكومات العامة والخاصة المتمثلة في الوزارات والهيئات الحكومية والشركات، والحكومات العسكرية الثورية والمدنية المجتمعية والسياسية (مثل الحكومات العائلية والقبلية والطائفية والأثنية)، والحكومات الأيديولوجية المشتركة أو المختلفة.

أما الحوكمة (Governance) فهي مجموعة الممارسات التي تحكم نظام الإدارة الفعّالة للحكومات والكيانات الإدارية. تتضمن الحوكمة الإجراءات والآليات التنفيذية والتعليمات للأنشطة المركزية المشتركة والعمليات المترابطة التي تنظم إدارة جميع جوانب العمل والأنشطة التنفيذية والتفاعل الفعّال للممارسات المشتركة والمتوازنة. تتم هذه الحوكمة وفقًا للسلطات الإدارية والسياسية الممنوحة للمديرين والمسؤولين التنفيذيين، بالإضافة إلى القوانين والتشريعات واللوائح التي تحكم الموارد المتاحة والقدرات البشرية وعلاقتها بسيناريوهات العمليات السياسية والخطط الاستراتيجية المعتمدة من قبلهم.

يتطلب الحوكمة المؤسسية الالتزام بمتطلبات إدارية وشروط محددة وأحيانًا متغيرة، وذلك بناءً على مرونة وشفافية مستوى البيانات المفتوحة عند التعامل معها. يتم تطبيق وتناول هذه الشروط والمتطلبات بشكل تكاملي ومتجانس ومبتكر ومتميز في الوقت نفسه، مما يعزز فوائد مؤسسية متبادلة بين مختلف كيانات الحكومة وأصحاب المصلحة المعنيين، وذلك وفقًا لاحتياجاتها والقدرات المتاحة والظروف المحيطة بها. يهدف هذا النهج إلى تعزيز بقاء الحكومة واستدامتها من أجل التنافسية والريادة، ويستند إلى معايير أفضل الممارسات العامة وهياكل العمل المعتمدة عالميًا.

الهيكل الهرمي لمفهوم “الحوكمة المؤسسية

الهيكل الهرمي للحوكمة المؤسسية يشير إلى الإطار الهيكلي لتنظيم وإدارة العمليات داخل المؤسسات. تعتمد الحوكمة المؤسسية على ثلاثة محاور رئيسية:

  1. المحور الأول: يركز على أعمال المؤسسة بشكل عام ويشمل تخطيط الاستراتيجية وتحديد الأهداف العامة للمؤسسة. يهدف هذا المحور إلى تحقيق القيمة المضافة والتركيز على الجودة والتميز والشفافية في تقديم الخدمات.
  2. المحور الثاني: يتعلق بالجوانب المالية وإدارة المصروفات. يشارك في هذا المحور المديرون التنفيذيون والمديرين الماليين ويهدفون إلى وضع معايير مالية ومحاسبية صحيحة وتقليل التكاليف وتحقيق الأهداف المالية للمؤسسة.
  3. المحور الثالث: يتعلق بإدارة خدمات تقنية المعلومات ويشمل الأنشطة التقنية وعمليات التشغيل. يعمل المدراء التقنيون ومدراء عمليات التشغيل على تحقيق الأهداف المحددة وتوفير الخدمات والعمليات بكفاءة وفقًا للمعايير المحددة.

افضل الممارسات العامة

تعتمد الحوكمة المؤسسية على أفضل الممارسات العامة والمنهجيات المعتمدة في كل محور، وتستهدف تحقيق أهداف المؤسسة وتعزيز الجودة والكفاءة والتميز.

الإدارة الرشيدة أو الحوكمة تلعب دورًا مهمًا في تطوير المدن الذكية. تتعلق الحوكمة في هذا السياق بتبني الممارسات الإدارية الفعالة وتطبيقها على المستوى المؤسسي والحكومي في المدينة الذكية. تهدف الحوكمة المؤسسية الذكية إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية والأتمتة لتحسين إدارة المؤسسات وتطويرها.

تشمل مفاهيم الحوكمة المؤسسية الذكية استخدام النظم الرقمية لتحسين العمليات الإدارية وزيادة الكفاءة. وتتضمن أيضًا الاستفادة من تقنيات المعلومات والاتصالات لتعزيز التواصل وتعزيز المشاركة المجتمعية في صنع القرارات. وتهدف الحوكمة المؤسسية الذكية أيضًا إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية واستخدام مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، وتعزيز البيئة الطبيعية وصحة وسلامة المجتمع الحضري.

باختصار، الحوكمة المؤسسية الذكية تهدف إلى تحسين إدارة المدن الذكية وتنميتها باستخدام التكنولوجيا الرقمية وتعزيز المشاركة المجتمعية والاستدامة. تعد الحوكمة الرشيدة عنصرًا أساسيًا لتحقيق أهداف المدن الذكية وضمان تقدمها وازدهارها في المستقبل.

التوصيات 

بناءً على التوصيات المذكورة، يمكن تحديد مجموعة من المعايير الهامة لنظم الحوكمة على مستوى الدوائر المحلية للحكومات ومؤسساتها المختلفة أو بين المؤسسات شبه الحكومية والشركات. وفيما يلي بعض هذه المعايير:

  1. فهم واستيعاب وتبادل تعبير “الحوكمة الذكية” واستخدامه حصريًا بدلاً من مصطلح “الحكومة الذكية” عند الإشارة إلى مفهوم الحوكمة المؤسسية أو حوكمة الشركات أو المؤسسات. يجب أن يكون هناك تفهم واسع ومشترك لهذا المفهوم واستخدامه بشكل صحيح.
  2. تحديد التوجهات العامة للمؤسسة وصياغة القيم المناسبة التي تتناسب مع بيئة العمل والظروف الخاصة بها. يجب أن تكون هذه القيم مشتركة وتعكس التشريعات والتوجهات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وفقًا للخطط الاستراتيجية المعتمدة للمؤسسة أو المجموعة الهيكلية.
  3. تحديد المبادئ والمفاهيم التي تستند إليها نظم الحوكمة، مثل الأنظمة الألمانية التي تعتمد على مفاهيم التملك والتمويل، والأنظمة الأنجلو أمريكية التي تعتمد على عوامل التنافس وقوة السوق، أو النظام الياباني الملكي الذي يعتمد على الإدارة العائلية والقيم والأخلاق.
  4. يجب أن يكون لنظام الحوكمة أسس عمل وأهداف واضحة وقوية تتوافق مع المعايير الدولية، وأن يأخذ في الاعتبار الخصائص التقنية للأنظمة المتاحة التي تحقق أعلى معايير الأمان والمرونة والفعالية في إدارة العمليات.
  5. ضمان التوازن في توزيع السلطة والمسؤوليات بين مختلف الأطراف المعنية في الحكومة المحلية أو المؤسسة، مع تحديد السلطات والواجبات وفقًا للقوانين واللوائح المعمول بها.
  6. إقامة آليات فعالة لضمان الشفافية والمساءلة في عملية صنع القرارات وتنفيذها، من خلال توفير معلومات واضحة ومتاحة للجمهور والأطراف المعنية، وتقديم تقارير دورية ومستقلة توضح الأداء والتحسينات المستمرة.
  7. تعزيز المشاركة المجتمعية والشفافية في عمليات صنع القرار، وتشجيع المواطنين والمؤسسات على المشاركة الفعالة وتقديم الملاحظات والاقتراحات، وتوفير آليات لتفعيل هذه المشاركة.
  8. ضمان الاستدامة والاستقرار في نظم الحوكمة، من خلال وضع آليات وإجراءات للتعامل مع التحديات والتغيرات الداخلية والخارجية، وتحسين القدرة على التكيف والابتكار.
  9. توفير فرص التدريب والتطوير لأعضاء الحكومة المحلية أو المؤسسة، وتعزيز الوعي بأهمية الحوكمة الذكية وتطبيق أفضل الممارسات والتقنيات في إدارة العمليات وتحقيق الأهداف.
  10. المراجعة والتقييم المستمر لنظام الحوكمة وأدائه، واتخاذ التدابير اللازمة لتحسينه وتعزيز فاعليته وفعاليته.

هذه بعض المبادئ الأساسية للحوكمة الذكية، ومن المهم تطبيقها وتعزيزها في القطاعات العامة والخاصة لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة للمجتمعات