هرم المسؤولية الاجتماعية للشركات وتوظيف الشركات السعودية لها (7)

 

هرم المسؤولية الاجتماعية للشركات وتوظيف الشركات السعودية لها (7)

بقلم: د. عامر بن محمد الحسيني

 

بدا من الملاحظ توظيف مصطلح المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR في بيئة الأعمال المحلية، وهذا الأمر في حد ذاته أمر محمود، ولكن الأمر غير المحمود هو طغيان ثقافة المجتمع في توظيف كل جديد لأهداف ومصالح قصيرة الأجل ومحدودة الفائدة. وهذا قد يتعارض كثيرا مع النظرة الاقتصادية التي رسمها الفيلسوف الاقتصادي Adam Smith عندما قال في كتابه المنشور 1776، إن المصالح الاقتصادية من أكثر الطرق موثوقية لتطوير وتحسين الرفاهية الاجتماعية التي تؤدي إلى تطوير المجتمع عامة. وفي دراسة قام بها Bowen 1953 المسؤولية الاجتماعية للشركات، خلص إلى سؤال ليفتح به الآفاق جاء فيه ”إلى أي مدى يمكن أن تتوافق أهداف الشركات التجارية مع أهداف واحتياجات المجتمع؟”. هذا المقال قد يساهم في تنوير قادة الأعمال التجارية والمجتمع حول قضية تكامل الأهداف التجارية مع الاحتياجات التنموية المستدامة للمجتمع، مع عدم الإضرار بحق المشروع الاقتصادي في تحقيق الربح المجدي، والأثر المستدام في بناء وتطوير المجتمع. كان Bowen 1953 قد لاحظ وجود معضلتين في طريق المسؤولية الاجتماعية للشركات؛ الأولى معضلة ذات علاقة بالمفاهيم، والأخرى مرتبطة بالممارسات. من ناحية المفهوم Conceptual، يرى Bowen أن هناك صعوبة في تحديد ما إذا كان سلوك الأعمالBusiness behavior يعد سلوكا أخلاقيا أو هو أداة تظهر السلوكيات الأخلاقية لتستخدم كوسيلة لتحسين صورة الشركات التجارية Reputational strategy. أما من ناحية التطبيق Empirical وبرغم وجود عديد من الدراسات التي بحثت في الارتباط بين الممارسات الأخلاقية للشركات والأداء المالي لها، إلا أنه يؤمن بأنها خليط من الاثنين سلوكيات أخلاقية، واستراتيجيات تسويقية. فعندما تتحد الأرباح والنتائج الإيجابية مع المسؤولية الاجتماعية، فإنه يتم احتساب ذلك كأحد مكاسب المسؤولية الاجتماعية، ولكن عندما تتعارض المسؤولية مع تحقيق النتائج الإيجابية المرجوة، فإن النظريات والممارسات تقف عن تفسير ثقافة مسؤولية الشركات تجاه المجتمع. Bowen بقي حائرا في إعطاء وصف دقيق لهذه القضية، فترك الأمر متاحا لمديري المشاريع التجارية مع وضع بعض المحددات. لذلك فقد عرّف المسؤولية Responsibility بأنها ”التزام رجال الأعمال بمتابعة بعض السياسات التي تجعل قراراتهم وعملياتهم المتبعة، متوافقة مع تطلعات وأهداف وقيم المجتمع”. وهو في هذا التعريف يترك المجال واسعا في أن المجتمع يميل إلى ناحية تأييد أهداف قصيرة الأجل لتعظيم الأرباح، أو أن المجتمع يعاني كسب رجال الأعمال على حساب اهتمامهم بالمجتمع. في عام 1995 أطلق Carroll هرم المسؤولية الاجتماعية للشركات، الذي يتكون من المسؤولية الاقتصادية في قاعدة الهرم ثم المسؤولية القانونية، فالمسؤولية الأخلاقية وصولا إلى الإحسان في قمة الهرم. وهو يرى أن مستويات المسؤولية المختلفة لا يمكن أن تتحقق في غياب أو ضعف الأداء الربحي للمشروع من توافر البضاعة والخدمات، وتوطين الوظائف، وتحقيق الربحية للمساهمين. فالشركة التي لا تحقق أرباحا ستتوقف عن العمل وتوفير تلك الاحتياجات. أيضا يرى أن المسؤولية الاقتصادية والمسؤولية القانونية مطلب اجتماعي، في حين يرى أن المسؤولية الأخلاقية نتاج لوجود ما سبقها، أما الإحسان فهو أمنية اجتماعية، تنتج من وفرة ما سبقها. هذه المكونات وضعها عدد من الباحثين في شكل معادلة رياضية تنص على: CSR = المسؤولية الاقتصادية + المسؤولية القانونية + المسؤولية الأخلاقية + مسؤولية الإحسان تجاه المجتمع. أوضح Carroll أن كل عناصر المسؤولية تتوافق مع القضايا الأخلاقية لممارسة الأعمال. وهو يضع عبئا أكبر على مديري وقادة المشاريع التجارية حين يقول إن المتطلبات التجارية تتفق مع بقية المتطلبات، وأن المسؤولية الاجتماعية للشركات يمكن أن تكون واقعا ملموسا في وجود مديرين يعملون ضمن إطار أخلاقي مسؤول. فهو يركز على أهمية تحلي قادة المشاريع التجارية بالأخلاقيات الحسنة التي تنعكس في ممارساتهم لأعمالهم التجارية. ومن الجدير ذكره في هذا المقام، أن كارول 1999 كان من أشد المؤمنين بوجود مستقبل باهر للمسؤولية الاجتماعية للشركات في استدامة وتنمية المجتمعات في البيئة البحثية والتطبيقية علي سواء. في مقال سابق كان الحديث عن مصطلح استجابة الشركات للمجتمع Corporate Social Responsiveness، الذي يعكس استجابة الشركات للحاجة الملموسة من المجتمع، فنستطيع القول إنه كلما زادت وارتقت احتياجات ووعي المجتمع زاد اهتمام الشركات لتلبية هذا الوعي، لأنها تعتمد أخيرا على مسألة كسب ولاء العميل لمصلحة هذه المنشأة. في الأيام الماضية بدأت بعض الدعوات لمقاطعة منتجات بعض الشركات التي تتعمد رفع أسعارها في مناسبات مهمة للمجتمع، لو كان وعي المجتمع وتصرفه في المقابل وجه إلى مطالبة الشركات بتفعيل دورها المجتمعي في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع، ماذا سيكون عليه الحال في قضايا مهمة كالبطالة، والبحث العلمي، والرعاية الصحية والتعليمية لأفراد المجتمع؟ وكل عام وأنتم بخير.