أهم التحديات المستقبلية، تحدي الاستدامة

أهم التحديات المستقبلية، تحدي الاستدامة

أهم التحديات المستقبلية، تحدي الاستدامة
بقلم : أمين سامي خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير

يعتبر تحدي الاستدامة من التحديات الهيكلية الكبرى التي سيعرفها العالم بشكل عام بسبب تغير النموذج الاقتصادي العالمي حيث عرف هذا الأخير الانتقال من الطاقة الأحفورية إلى الطاقات المتجددة بمختلف أشكالها وأنواعها بدءا من الطاقة الشمسية، الطاقة الريحية، الطاقة المائية، الطاقة النووية للاستعمال الآمن والنظيف،…
إن العالم اليوم يعرف سرعة جنونية في اتجاه الطاقات البديلة كبديل عن الطاقة الأحفورية التي من المقرر أن ينخفض إنتاجها طبقا لما ورد على منظمة أوبك وأوبك بلس وهذا مرده إلى التوجه العالمي للرأسمالية العالمية الجديدة التي تتجه إلى النهاية مع الطاقة الأحفورية، كما أن الشركات والمؤسسات الدولية والعالمية المصنعة والتي تعتمد على الطاقة الأحفورية أصبحت تروج وتسوق للصناعات والخدمات باستعمال الطاقات النظيفة وخير دليل على ذلك قطاع السيارات هذا القطاع العابر للقارات والذي يرتبط بالعديد من القطاعات التي تصب في قطاع السيارات أصبح اليوم يروج للمنظومة الصناعية الجديدة خاصة السيارات الكهربائية والسيارات الذاتية القيادة والسيارات الطائرة باستعمال الطاقة الشمسية والسيارة المائية ووسائل النقل واللوجستيك الحديثة المشتغلة بالطاقة النظيفة باستعمال الغاز الطبيعي أو الهيدروجين بمختلف أشكاله. فالعالم يتغير بسرعة مهولة والاستدامة اليوم ومستقبلا أصبحت مطلوبة في مختلف المجالات والتفكير اليوم متوجه نحو إعادة منظومة التصنيع والخدمات برمتها في مختلف المجالات، فالاستدامة اليوم مطلب مصيري لضمان عيش البشر على وجه بسيطة الكرة الأرضية وأي تخلف أو عدم مسايرة للمنظومة العالمية الجديدة هو تخلف عن الركب والبقاء في الخلف، فمتطلبات التنمية البشرية الجديدة سيتم تغيير معاييرها وإضافة معايير جديدة أهمها : الاستدامة و التحول الرقمي لانهما مطلبان أساسيين في النموذج التنموي العالمي الجديد.
ان الفجوة بين البحوث الأكاديمية التنموية والاحتياجات الاقتصادية تتسع بشكل كبير اذا لم يتم تداركها بنفس السرعة التي يسير بها النموذج الاقتصادي الجديد، فعلى سبيل المثال فعدد الباحثين على مستوى المنطقة العربية يصل إلى 722 باحثا بالنسبة لكل مليون نسمة بالمقارنة مع المتوسط العالمي الذي يمثل حوالي 1267 باحثا لكل مليون نسمة، أما على مستوى أوروبا فعدد الباحثين لكل مليون نسمة يتجاوز 3000 باحث لكل مليون نسمة، فضعف عدد الباحثين في المنطقة العربية في مختلف المجالات يساهم في صعوبة تجاوز ومواجهة تحدي الاستدامة خاصة أن التعليم يلعب دورا محوري ومصيري في تقدم المجتمعات، كما أن ضعف الميزانيات المخصصة للبحث العلمي والتطوير والتي لا تتجاوز 1% فالانفاق في هذا المجال لا يتجاوز 0,64% من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية برمتها في المقابل فالمتوسط العالمي في هذا القطاع يبلغ 1,73% من الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي يتضح أننا في المنطقة العربية أدنى بكثير من المتوسط العالمي حسب التقرير العربي للتنمية المستدامة لسنة 2020 الصادر عن منظمة الاسكوا، وبالتالي تعرقل التنمية والاستنزاف المفرط للموارد الطبيعية مما يهدد التنوع البيولوجي ويساهم في انقراض الكائنات الحية.
إن العالم اليوم يتجه إلى إعادة كلية للمنظومة برمتها فالنجاح في مواجهة تحدي الاستدامة يتطلب عنصرين هامين جدا، عنصر الاستشراف الاستراتيجي وعنصر قيادة التغيير فغياب هذين العنصرين في البرامج و السياسات العمومية يجعل مهمة مواجهة تحدي الاستدامة صعبة جدا إن لم نقل مستحيلة.

إن  النموذج العالمي الجديد والانخراط فيه يتطلب مواجهة تحديات عدة من أهمها تحدي الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، وتحدي الاستدامة هذه الأخيرة التي تعتبر  عصب تحريك العجلة الاقتصادية والاجتماعية في جميع الدول بدون استثناء، فأنظمة السوق المتقادمة والغير المتجددة  في الدول الفقيرة والنامية، وانعدام الاستراتيجيات الاستثمارية الابتكارية المواكبة للتحول الرقمي واقتصاد المعرفة وعدم كفاية شبكة النقل واللوجستيك وعدم تطويرها، والسياسات المالية الكلية المعتمدة على التضريب بشكل كبير جدا بدل خلق القيمة المضافة وتطوير الاقتصاد المحلي المستدام، وضعف عمليات الإنتاج في مختلف المجالات الأساسية(التعليم، الصحة، البحث العلمي)،  كلها عوامل تعوق الدول الفقيرة والنامية ولا تسهل عملية ضمان استدامتها للموارد بالشكل المطلوب ولعل من أبرز الإشكالات التي تحول دون تحقيق النجاح في مواجهة تحدي الاستدامة مايلي :

١. الاقتصادات الريعية وسياسات الاقتصاد الكلية

تتجه السياسة العامة في المنطقة العربية بشكل عام إلى زيادة النمو أو الإيرادات، علما أن الثروة تتركز في يد النخب الاقتصادية والسياسية. علما أن الفجوة تتسع بين الأغنياء والفقراء، وبالتالي فالإستثمار في الغالب على يتم في مجال العقارات أو استخراج الموارد الطبيعيةّ أو الفلاحة فهذه الأخيرة تشكل 40% من سكان المنطقة العربية يعتمدون على الزراعة،  وتتسم الاقتصادات بكثرة الاعتماد على النفط في بعض البلدان الخليجية، أو التضريب في البلدان غير المنتجة للنفط وقد سجل معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد الواحد في المنطقة العربية ككل نسبة 0,49-% بين عامي 2013 و2017  مقابل متوسط عالمي بلغ 3,5%، وبالتالي هيمنة القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة، والاستثمار غير الكافي. فبالإضافة إلى النمو المتزايد للقوى العاملة ذات التحصيل العلمي الجيد، إلا أن القطاعات النشطة تتجلى في قطاع الخدمات التي يتطلب اليد العاملة المنخفضة وبالتالي إنتاجية منخفضة.

٣.ضعف الاتساق بين السياسات الاقتصادية و الاستراتيجيات التعليمية والترابط بين العلوم والصناعة.

إن التعليم الرسمي والتعليم النظامي في الدول العربية لا يشجع ولا يساهم في تحقيق التحول المطلوب والانتقال نحو الفرص الجديدة واستغلالها بشكل جيد، فالمستقبل للصناعات الخضراء والاقتصادات الرقمية والصناعات الذكية، حيث يتضح من خلال مؤشر المعرفة لسنة 2022 حصول أغلب الدول العربية على مراتب متأخرة بإستثناء دول الخليج العربي فعلى سبيل المثال حصل المغرب على الرتبة 85/132 دولة شملها ترتيب مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2022 وجاء التصنيف القطاعي لمؤشر المعرفة لسنة 2022 للمغرب كالآتي فعلى مستوى :
١. التعليم ماقبل الجامعي المرتبة : 86
٢. التعليم التقني والتدريب المهني المرتبة : 78
٣. التعليم العالي المرتبة :  105
٤. البحث والتطوير والابتكار المرتبة : 84
٥. تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المرتبة : 70
٦. الاقتصاد المرتبة : 77
٧. البيئة التمكينية المرتبة : 85
حيث خلص مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2022 أن أداء الدولة متواضع فيما يخص البنية التحتية المعرفية وانه لابد من بدل المزيد من الجهد في مجال السياسة التعليمية للنهوض بمؤشر المعرفة العالمي وتشجيع الاستثمار في البحث العلمي والتطوير والابتكار. في المقابل عرفت الإمارات و قطر احتلال مراتب متقدمة في مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2022 وجاءت النتيجة كالآتي : فالامارات العربية المتحدة احتلت الرتبة الأولى عربيا و25 عالميا متبوعة بقطر ثانيا و37 عالميا ثم المملكة العربية السعودية ثالثا و 43 عالميا والكويت الرتبة الرابعة عربيا و47 عالميا، وهي كلها رتب متقدمة مما خلص مؤشر المعرفة العالمي لتصنيف أداء هذه الدول بأداء قوي جدا في البنية التحتية المعرفية.

٦.السياسات الصناعية الغير المستدامة.
إن السياسات الصناعية اليوم غير مستدامة ولا تساهم في الحفاظ على البيئة نتيجة الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية مما يهدد التنوع البيولوجي ويساهم في تردي مستوى المنطقة بيئيا.
فأغلب الصناعات والخدمات اليوم كانت مبنية على الطاقة الأحفورية و مستخرجات البترول وأكبر دليل على ذلك صناعة السيارات، صناعة الطائرات، الصناعات البيتروكيماوية كلها اليوم نتيجة لسياسة صناعية غير مستدامة، كما أن ثقافة الاستدامة ضعيفة في مجتمعاتنا العربية وهذا يتضح جليا من خلال الزحف الاسمنتي للمناطق والمدن والتطور السريع والمتسارع لمتطلبات الحياة والعيش مما جعل مسألة الاستدامة حبر على ورق.
فثقافة الاستدامة غائبة بشكل كلي في القطاع الخاص لانه في الحقيقة يبحث دائما عن الربح والكسب المادي الوفير بأقل الموارد وأقل الاستثمارات، كما أن شروط دفاتر التحملات يما يخص الاستدامة والحفاظ على البيئة تعرف نقصا كبيرا في هذا المجال رغم الجهود المبذولة من طرف الدول من أجل التطبيق الصارم للاجراءات الواجب اتباعها من أجل ترسيخ وترسيم ثقافة الاستدامة.

مقالات ذات صلة

الردود

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *