أهم التحديات المستقبلية، تحدي الاستشراف الاستراتيجي

اهم التحديات المستقبلية : تحدي الاستشراف الاستراتيجي
بقلم أمين سامي خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير

لقد أصبح  الاستشراف الاستراتيجي اليوم مسألة أساسية ومصيرية للبشرية بحيث يشكل رهان المستقبل الجديد الذي نريد الولوج إليه.
فالمستقبل أربعة أنواع فهناك المستقبل المحتمل، المستقبل المفروض، المستقبل المفضل، وأخيرا المستقبل المقبول ، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه بشدة، عن أي مستقبل نتحدث؟ وكيف نريد الولوج إليه وبأية منهجية، وبأية وسائل، وبأية إستراتيجية هل باستراتيجية التابع المسحوب؟ أم باستراتيجية الرائد المتحدي؟ أم باستراتيجية الاعتماد المتبادل؟

إن ما يعرفه العالم اليوم من انتشار التفاهة والترهات وتغييب القضايا الحقيقية الواجب نقاشها على أرض الواقع واستشراف الوضع المستقبلي وتسليط الضوء على التفاهات والترهات وتقليص دور المثقفين وتحجيم أدوارهم في المجتمع والسخرية منهم والتهليل والتكبير لأشباه المثقفين وأنصاف المعلمين وتسخير وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي من أجل بروزهم وتلميع صورتهم وجعلهم النموذج والقدوة ماهو إلا سياسة إلهاء الشعوب كما وصفها نعوم تشمسوكي بالاستراتيجيات العشر للسيطرة على الشعوب، فسياسة الماكرين تبقى نفسها رغم تغير الزمن فهم يستعملون نفس الأساليب التي حققوا بها النجاح سابقا لكن تمظهرات المكر والخداع تختلف مع الزمن تحت مسميات جديدة وهذا موجود في كل دول العالم بدون استثناء المتقدمة والنامية.
إن الاستشراف الاستراتيجي يرصد العلامات الضعيفة والمتقدمة التي يمكن أن تشكل مستقبلا بذور التغيير، لأن من مبادئ الأداء العالي جدا وفق المواصفة العالمية للإداء MTHP(management de la très haute performance)
هو القدرة على رصد العلامات المتقدمة و الضعيفة في مختلف المجالات سواء كانت دول، مؤسسات حكومية، قطاع خاص، مؤسسات خيرية،… لأنه لا يمكن تحقيق الأداء العالي للمنظمة أو الدولة في ظل غياب عنصر الاستشراف كما أن حفاظ الدول على السبق في التقدم والازدهار راجع إلى تفعيل اليقظة الاستراتيجية ومراقبة حركية النسق.

فالاستشراف يبحث في بذور التغيير  وفي آليات تطورها نحو محركات التغيير، وكيف تطورت وماهي المخاطر المستقبلية و الفرص المستقبلية ومن هم اللاعبون الجدد في الرقعة الجديدة، وماهي المجالات المستقبلية الممكن الاستثمار فيها الى غير ذلك،… بل وأبعد من ذلك بكثير.
إن الاستشراف الاستراتيجي هو بمثابة بوصلة القيادة بالنسبة لربان الطائرة او الباخرة وبالتالي فإذا فقد هذا الأخير بوصلة القيادة فقد التوجه بشكل صحيح ويمكن لامحالة أن يدخل في متاهات تفقده السيطرة والتحكم في الطائرة وبالتالي التسبب في كوارث تكون آثارها مدمرة سواء بالنسبة للطائرة أو الركاب، وهذا ما يقع فإذا فقدنا الاستشراف فقد فقدنا بوصلة القيادة.
فالاستشراف كما سبق ذكره فهو بوصلة القيادة نحو المستقبل، والظواهر والتقلبات تتكرر عبر الزمن ولكن بتمظهرات مختلفة، فعدم الدراية والاطلاع على الأحداث في الماضي وتحليلها وتفسيرها وتفسير بذور التغيير ورصد العلامات الضعيفة وملاحظة تغيرات وتقلبات الحاضر وتحليل حركية النسق المجتمعي بمختلف أبعاده السياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها…، لن يساعدك على استشراف المستقبل.

فهناك من يعتقد أن الاستشراف الاستراتيجي هو التخطيط الاستراتيجي وهذا خطأ وسأوضحه بمثل حي:
إن وظيفة الخطة الاستراتيجية في المنظمة، كوظيفة غطاء عيون الحصان؛ يتم وضع هذا الغطاء على عيني الحصان لكي يركز نظره على الهدف فقط ولا يتشتت بصره. لكن أغطية عيون الحصان لا توضع لخيول السباق، وإنما توضع فقط للخيول التي تجر العربات؛ لأن خيول السباق تحتاج إلى الرؤية الواسعة، أما خيول العربات فتحتاج إلى التركيز.. هذا هو الفرق بين التخطيط الاستراتيجي والاستشراف الاستراتيجي.

الاستشراف الاستراتيجي يمكن تبسيطه واختزاله في أربع قواعد:
1- رصد العلامات الضعيفة والمتقدمة.
2- تمييز العلامات الضعيفة والمتقدمة بذور التغيير.
3- مراقبة تطور بذور التغيير إلى محركات للتغيير.
4- حصر محركات التغيير الأكثر أهمية والأكثر نجاعة.

إن المستقبل تُغَيِّره ثلاثة أشياء: المشاعر، والأفكار، والمصالح. لذلك نحتاج إلى تربية عاطفية مستقبلية لنتعلم كيف نقلق بصدد المستقبل، وإلى تربية فكرية مستقبلية لنتعلم كيف نتوقع المستقبل، وإلى تربية عملية مستقبلية لنتعلم كيف نصنع المستقبل. في كلمة واحدة نحتاج إلى الاستشراف، لأن الاستشراف هو أن تقلق حول المستقبل وتتوقعه وتصنعه. ولا يمكن لهاته الأشياء الثلاث أن تعمل بشكل جيد إلا إذا قمنا بإعادة النظر في أنظمتنا التعليمية من خلال البرامج و المواد و المنهاج وأساليب التدريس وأساليب التنشئة الاجتماعية وتطوير أنظمة الاقتصاد المتهالكة و…. لأنها هي المدخل الوحيد على خلق جيل واعي وقادر على استشراف المستقبل. وبالتالي فإعداد واستشراف المستقبل يتطلب السرعة في جمع المعلومات والسرعة في اتخاذ القرار، ومنه فنحن أمام تحدي جديد من أهم وأبرز التحديات المستقبلية هو تحدي السرعة والتسارع. ويبقى أبرز تساؤل مطروح هل نحن اليوم بحاجة ماسة إلى هاته السرعة؟ اهي حركية النسق المجتمعي بمختلف تجلياته هي التي تطلبت هذه السرعة؟ أم أن النظام الرأسمالي الجديد هو الذي أدخلنا إلى هذا التحدي وجعل كل شيء سريعا؟

مقالات ذات صلة

الردود

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *