أهم التحديات المستقبلية، تحدي الثقافة الصلبة

أهم التحديات المستقبلية، تحدي الثقافة الصلبة

أهم التحديات المستقبلية، تحدي الثقافة الصلبة
بقلم : محمد أمين سامي خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير.

تعتبر الثقافة أهم مكون لتقدم الشعوب والمجتمعات وقد لعبت الثقافة على مر العصور دورا محوريا ومصيريا في تقدم الشعوب والمجتمعات كما ساهمت في إنتاج المفسرين والمفكرين والأدباء والكتاب  وتشكيل الوعي الفكري للمجتمعات والدول.
ولكن مع تقدم المجتمعات والدول والتقدم التكنولوجي والمتسارع لمتطلبات الحياة والعيش أصبحت الثقافة الصلبة تتلاشى وأصبحت الثقافة السائلة هي الثقافة السائدة في المجتمعات خاصة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تغزو حياتنا الشخصية والأسرية والمهنية والاجتماعية… أكثر من أي وقت مضى وأصبحنا نتطلع إليها بشغف ومتابعتها بنهم كبير رغم أنها لا تقدم الا الثقافة السائلة ثقافة الاخبار و الفضائح والجرائم في شكل فيديوهات وصور.

إن الرأسمالية العالمية المتوحشة تدفع العالم اليوم بسرعة جنونية في اتجاه قضايا التفاهة والترهات وتغييب القضايا الحقيقية الواجب نقاشها على أرض الواقع واستشراف المستقبل، بل أصبحت تدعم نظام التفاهة وتسليط الضوء والاعلام على التافهين والشواذ من أجل تمييع الجو العام وضرب القيم والهوية المجتمعية وقتل المفكرين والأدباء والكتاب والعلماء من خلال تهميشهم وتشويه صورتهم وخلق فضائح لهم كي لا يقتاد الناس بهم أو سماع أفكارهم وتوجهاتهم التنويرية وتحرير عقولهم من العبودية والمعبد وحراس المعبد. فهدم الأمة كيفما كانت حسب رأي الدكتور وعالم المستقبليات الدكتور المهدي المنجرة يرتكز على ثلاث أشياء : هدم الأسرة خاصة تبخيس دور المرأة وجعلها تخجل من دورها كأم ومربية في البيت ودفعها للخروج للعمل ومواجهة الرجل بل في بعض الأحيان خلق كثير من المهن تناسب دور المرأة  بشكل كبير ومخصص لها كي يختل نظام التنشئة الاجتماعية.
ثانيا هدم التعليم من خلال تبخيس دور المعلم واهميته وجعل واقع التعليم مرير واختيار أشخاص ضعاف التكوين وعديمي الكفاءة والمسؤولية من أجل إنتاج جيل من الضباع والقطيع جيل لا يفكر بل يستهلك بشراهة ما يقدم له من معلومات واخبار ووقائع حتى وإن لم تكن سليمة أو ضعيفة الصحة لانه لا يملك أدوات التمييز والتفريق بين الصحيح والضعيف، إن المدرسة عرفت تطورات مهمة خلال مجموعة من الدورات التاريخية التي مرت بها بدءا من المدرسة الزراعية إلى مدرسة الدولة وصولا إلى المدرسة الرقمية والذكية هذه المدرسة التي تتجه السياسة التعليمية العالمية إلى زرعها والترويج لها مستقبلا باعتبارها مدرسة المستقبل مدرسة القرن مدرسة 4.0 كل مسميات لمدرسة واحدة مصممة بدقة متناهية من أجل هدم آخر حجر في مدرسة الدولة وهدم اخر تفاعل إنساني مع الإنسان بشكل مباشر، وبالتالي فهي متأكدة تماما إن كل ما سيتم تقديمه في هذه المدرسة الجديدة سيتم استهلاكه بدون شك مثل الجراد الجائع الذي لايترك شجرة أو نبتة الا وقضى عليها.
ان الراسمالية العالمية المتوحشة الجديدة تعي جيدا أن التفكير الاستراتيجي والمقاربة النسقية وتحليل التفاعلات المركبة ومراقبة حركية النسق المجتمعي بمختلف تجلياته هي الحل لتكوين جيل من القادة يتمتع بقدرات وكفايات وقيم تساهم في تطور الدولة والمجتمع ولكن هيهات فسياسة الماكرين تبقى نفسها رغم تغير الزمن فهم يستعملون نفس الأساليب التي حققوا بها النجاح سابقا.
وثالثا وأخيرا هدم القدوات والتشويش عليهم من خلال تبخيس ادوارهم وافكارهم واستيراد نماذج جاهزة ومقولبة للاستعمال في بيئة مختلفة تماما عن البيئة الأصلية التي نشأوا فيها، كل هذه الأمور من أجل زعزعة المنظومة القيمية وإدخال قيم دخيلة تحت مسميات الحداثة والتطور وقيم العصر وأن القيم الحالية قيم رجعية لا تواكب التطور الحاصل والامثلة كثيرة في هذا المجال.
إن الثقافة السائلة اليوم هي ثقافة مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الاجتماعية بما فيها اليوتوب والانستغرام والفايس بوك وتويتر والتيك توك، … كل هذه المنصات صممت للاعجاب والتواصل ونشر الفضائح والموضة و الأكل وغيرها ولم تصمم لنشر العلم والثقافة والدفاع عن القضايا الحقيقية للمجتمع لهذا فنحن اليوم أمام تحدي جديد من التحديات المستقبلية الخطيرة والتي أصبحت تكتسح بقوة حياتنا الشخصية والأسرية والمهنية… تحدي الثقافة الصلبة، فبدونها فنحن مجرد حيوان ناطق يستهلك فقط لأنه تم تغييب العقل وهذه هي الطامة الكبرى.

مقالات ذات صلة

الردود

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *