استشراف المستقبل (3)
بقلم د. أنيس رزوق
مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، خبير حوكمة معتمد، خبير إدارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR).
هل علم المستقبل أو استشراف المستقبل أو علم المستقبليات ؟
ثالثاً : مرحلة الفكر المستقبلي الموجه :
في هذه المرحلة مع بداية السبعينات تطورت الدراسات المستقبلية وظهرت المؤسسات الإقليمية المعنية بدراسة مستقبل البشرية، وأصبحت الرؤيا عالمية ومستقبل الموضوعات عالمي ، والتفكير أخذ الشمولية، مثل تأثير أسلحة الدمار الشامل أو الإرهاب الذي عاث في الأروقة والاهتمام بالبيئة ، والاقتصاد العالمي ، وأيضا الربط بين الدراسات المستقبلية الخاصة بالتطورات التكنولوجية وأثرها على التطورات الاجتماعية.(1)
وقد كان لنادي روما (وهو تجمع دولي لقادة كل تخصص علمي وكبار مفكريه) الأسبقية من خلال اجتماعه عام 1967 بوجود رجل الأعمال الإيطالي أوريليو بيشي والمدير العلمي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الكسندر كنغ، والذي أسفر عن نتائج واقعية تهدد المستوى العالمي مثل الزيادة السكانية واستنزاف الموارد الطبيعية والفقر وغيرها، وإن المؤسسات الدولية عاجزة عن التصدي لهذه المشكلات، واستنادا إلى هذه الأفكار عقد أول اجتماع في روما عام 1968 وضم ثلاثين عالما من عشر دول، وأطلق على هذا الاجتماع اسم نادي روما، تركزت مواضيعه على الربط بين ظاهرة الاعتماد المتبادل المتزايدة بين المجتمعات وبين تطوير تقنيات الدراسات المستقبلية لمعرفة الاحتمالات المختلفة للظواهر العالمية ، وصدور أول تقرير عنه حاز القسط الأكبر بالاهتمام على الرغم من تأثره بالنظرة التشاؤمية جراء الحرب العالمية الثانية.
أما في أميركا فتم توظيف الدراسات المستقبلية بالمجال العسكري لتطوير الأسلحة المتطورة، وبرز في هذه المجال الجنرال (أتش أتش أرنولد) القائد العام لسلاح الطيران بإنشائه (مصنع الفكر) الذي ضمم نخبة من الدارسين وكان الدور الأكبر لــ (ثيودور فان كارمان) اذ أجرى استطلاعا عن قدرات أميركا التكنولوجية في تقريره (نحو أفاق المستقبل) قاد إلى إنشاء مركز التنبؤ التكنولوجي بعدي المدى للجيش . ومشروع تنبؤ القوات الجوية عام 1963، إذ اجتمعت فيه جهود سبعين مؤسسة بحثية وأربعين هيئة فضلا عن ست وعشرين جامعة ليخرج مشروع بأربعة عشر مجلدا حول الخصائص التكنولوجية للقوى التي يمكن أن تقدم الدعم لوزارة الدفاع الأميركية لمرحلة ما بعد 1970.(2)
وشهدت حقبة الستينات من القرن الماضي تطوراً ملحوظاً في علم المستقبليات مما قاد إلى رسم تصور الأزمات المقبلة وسبل مواجهتها بالإمكانيات المتاحة أو من خلال خلق إمكانيات إضافية، وقد شكلت تلك البدايات منظومة عمل تضم الكثير من العلوم أطلق عليها تسمية سيناريوهات الأحداث، لا تنحصر على الجوانب السياسية والعسكرية فحسب بل تشمل الكثير من الجوانب الأساسية بما فيها التربية والتعليم والاقتصاد.(2)
وإلى جانب فرنسا والولايات المتحدة، برزت جهود علماء أوروبيين مثل الهولندي فرد بولاك الذي أصدر كتابه (The Image of the Future) عام 1961 ثم كتابه المهم ( Prognostics) عام 1971، مما ترك أثراً في الحكومة الهولندية تمثل في تأسيس وحدة الدراسات المستقبلية عام 1974، على غرار التي تم إنشائها في الحكومة السويدية عام 1973 بمبادرة من رئيس الوزراء أولاف بالمه، تحت اسم سكرتارية الدراسات المستقبلية التابعة لرئاسة الوزراء، وشرعت بريطانيا عبر جامعة ساسكس (Sussex) بتأسيس وحدة الدراسات المستقبلية تركزت جهودها في تطوير التكامل المنهجي ( Interdisciplinary) ونقد النماذج المنهجية. (2)
وأيضا ظهرت مؤسسة (باريلوشي) في الأرجنتين التي تحفظت على تقرير (حدود النمو) وأصدرت تقريراً مضاداً أسمته ( كارثة أم مجتمع جديد؟) ، كما ظهرت دراسات جادة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الأوروبية (OECD) ومنظمة الزراعة العالمية (FAO ) واليونسكو (UNESCO) جميعها تتناول العالم بصورة إجمالية.(3)
وقد صنفت الجمعية العالمية للدراسات المستقبلية كأهم عالم في هذا المجال، العالم الأمريكي بكمنستر فولر(Buckminster Fuller)، وهو من ابرز رواد المدرسة المعيارية في الدراسات المستقبلية، كان تركيزه على احتمال تحقيق السلم الدولي، وأطلق نموذج (اللعبة العالمية) (Great Logistic Game) ويتلخص النموذج، بأنه بنى قبة تعادل مساحتها مساحة ملعب كرة السلة ورسم عليها خريطة للعالم، وحدد فيها كل التضاريس وربطها بالحاسوب الذي يضم قاعدة معلومات ضخمة عن الموارد العالمية والاتجاهات الإنسانية والاحتياجات والمشكلات الدولية وغيرها، ووضع هدفا لكل باحث يتمثل في محاولة وضع أفضل معادلة لتحقيق أفضل النتائج في ضوء المعطيات المتوفرة، فعلى سبيل المثال لو كانت دالة النموذج هي تقليص الحروب فإن المعادلة يجب أن تحقق استخدام الموارد المتاحة فقط لتحقيق هذه الدالة في أقصر فترة ممكنة.(4)
ويمكن القول بأن الدراسات المستقبلية أو النظرة إلى المستقبل تمارس منذ فجر التاريخ من خلال التنبؤ وقراءة الطالع ومعرفة أحوال الطقس ومن ثم انتقلت إلى المرحلة التالية التي أخذت الشكل الفردي واهتمام المؤسسات ومراكز الأبحاث والدوريات العلمية وتركيز الجهود على الفصل بين الظاهرة الاجتماعية والتطور التكنولوجي وأثرهما، والتركيز على الجانب السياسي والعسكري وأدواته، وقد شكلت تلك البدايات منظومة عمل تضم الكثير من العلوم أطلق عليها تسمية سيناريوهات الأحداث، ومن ثم توجه عالمي تتمتع بطابع شمولي في مجال التخصص بما فيها التربية والتعليم والاقتصاد والبيئة، وفي مجال أشمل أيضا للمساحة الجغرافية، وتحديد أسس منهجية لهذا العلم مثل تقنية دلفي وتقنية السيناريو ودولاب المستقبل، وقد أوجد علم المستقبليات جسراً مستدام بين التاريخ والمستقبل، علماً قائما بذاته وتحولت تلك الدراسات من مجرد مصطلح يتم ترديده إلى مطلب ضروري للدول والمنظمات لمواجهة التحديات الاستراتيجية ووضع الحلول المناسبة في ظل ثورة التغييرات بالعصر التكنولوجي وسهولة اتخاذ القرارات بالسرعة المطلوبة.
استبصار، استشراف، تخطيط استراتيجي، تميز، جودة، إبداع، ابتكار، مسؤولية مجتمعية، تميز مؤسسي، معرفة، جودة التميز ، منظمات متعلمة.
المراجع:
1. محمد سعيد الفطيسي، الغب وتأسيس مناهج الدراسات المستقبلية في العصر الحدث ، منتدى العمانية.
2. زكي، أحمد عبد الفتاح وآخرون، الدراسات المستقبلية ، دار الميسرة للنشر والتوزيع ، عمان، الأردن، 2003. .
3. محمد إبراهيم منصور – بحث الدراسات المستقبلية وماهيتها 2006.
4. عامر: طارق : 2008 أساليب الدراسات المستقبلية، دار اليازوردي العلمية للنشر والتوزيع، عمان ، الأردن.
الردود