التنمية الترابية بين الواقع والنظرة المستقبلية
التنمية الترابية بين الواقع والنظرة المستقبلية
أصبحت التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و…. دعامة أساسية ومصيرية لتحقيق التنمية الترابية داخل الجماعة أو الإقليم أو الجهة، وبالتالي أصبح اليوم من الضروري إعتماد مقاربات ومنهجيات جديدة في التنمية الترابية، ويعتبر التخطيط الاستراتيجي الترابي وقيادة التغيير وفق المنظور النسقي أو النظمي أحد هذه المنهجيات التي يجب الاعتماد عليها لتحقيق هذا الإقلاع التنموي المحلي.
يعتبر التخطيط الاستراتيجي كمفهوم جديد في التنمية الترابية وكآلية جديدة أصبح اليوم العالم يعتمد عليها في إعداد المشاريع و البرامج الاستراتيجية التنموية المتوسطة و الطويلة الأمد و التي تسعى من خلالها الدولة عن طريق مؤسساتها تحقيق هذا الإقلاع الاقتصادي التنموي وخلق القيمة المضافة و تطوير جودة العيش والمساهمة في الرفع من الدخل الفردي.
إن واقع الحال اليوم وما نعيشه من تدهور وضعف في البنيات التحتية و ضعف الخدمات وعدم تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن راجع بشكل أساسي إلى ضعف وغياب رؤية واضحة لدى الفاعل السياسي المحلي بسبب افتقاره إلى نموذج تنموي محلي واضح وصريح يحقق التنمية الترابية ويخلق القيمة المضافة وأيضا غياب منهجية سليمة في إعداد التصور التنموي المحلي وتحديد المرتكزات والدعامات التي يمكن أن تشكل إقلاع اقتصادي واجتماعي و ثقافي بالمنطقة.
فنحن اليوم نعيش تحديات كبيرة وجمة وتعرف هذه الأخيرة تسارعا كبيرا، فنحن أمام تحديات الأمن المائي والطاقي و الغذائي التي يجب جيدا التفكير في مواجهتها وسبل التغلب عليها، تحديات التغير المناخي وتبعاته سواء على مستوى البيئة أو على مستوى الإنسان أو حتى على مستوى الاقتصاد المحلي، تحديات الأزمات الصحية والأوبئة، تحديات التعقيد وتكنولوجيات القطيعة التي أضحت تغزو حياتنا الشخصية و المهنية وأضحت تتطور بشكل سريع حتى أصبحت هي التي تقودنا وتسير بنا أينما تريد والعكس هو الصحيح، والكثير من التحديات التي نحن على مشارفها وسنعيشها مستقبلا….
كل هذه الأمور تجعل عملية تحقيق التنمية الترابية أمرا جد معقد نظرا لتعدد الأطراف المتداخلة بالدرجة الأولى، ثم نظرا لكثرة التحديات وتعقدها وتداخلها فيما بينها، فالظواهر ثلاث : إما ظواهر بسيطة أو ظواهر مركبة أو ظواهر معقدة وهذا هو ما نعيشه اليوم فأغلب الظواهر هي معقدة وليست بسيطة أو مركبة و بالتالي لا يمكن معالجة ظاهرة معقدة بحل بسيط أو حل تجزيئي بل الأصل هو حل مركب تتداخل فيه جميع العناصر المرتبطة بالموضوع، إن فهم الظاهرة المعقدة لا يمكن فهمها بتجزيئها الى مكونات أو وحدات مفصلة بل فهم هذه الأخيرة مرتبط بتحليل تفاعلات هذه الأخيرة مع المحيط الذي تعيش فيه وتتفاعل معه. وبالتالي يلعب التخطيط الاستراتيجي الترابي دور أساسي في فهم هذه التفاعلات في إطار نظمي أو نسقي ويوحد الجهود وينسق وينظم الموارد ويعمل على ترتيب الأولويات بالدرجة الأولى وتحديد الركائز و الدعامات التي تشكل محرك التغيير نحو التنمية الترابية، بالإضافة إلى ذلك يعتبر التخطيط الاستراتيجي آلية للتنفيذ وهو مرتبط بمفهوم أكثر دقة و شمولية وهو الأساس الذي ترتكز عليه التنمية الترابية هو مفهوم الاستشراف الاستراتيجي فهذا الأخير هو المحرك وجهاز الإنذار الذي يجب أن يبقى يقظا يرصد التغييرات التي تحصل سواء على المستوى الدولي أو الوطني أو الجهوي ويعمل على استثمارها بالشكل المطلوب لتحقيق التنمية الاقتصادية.
إن المعلومة اليوم أصبحت تصنع الفارق بين الدول أو الجهات داخل نفس الدولة فما بالك بالجماعة الترابية التي يجب عليها اليوم أن تثمن المعلومة وتحولها إلى فكرة أومشروع يخلق القيمة المضافة بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى هذا فنجاح الاستراتيجية رهين بقيادة التغيير فهما عنصران مكملان لبعضهما البعض، فهذا الأخير مرتبط بتحقيق التغيير في ست أبعاد أساسية وهي : البعد الشخصي، البعد العلائقي، البعد الجماعي، البعد التنظيمي، البعد المؤسسي، وأخيرا البعد السوسيو- ثقافي، ومنه فتحقيق التنمية الترابية ونجاح الخطة الاستراتيجية يجب أن يشمل هاته الأبعاد الست للتغيير لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية تسهم في خلق القيمة المضافة أولا وتلبي احتياجات المواطن ثانيا.
الردود