صناعة التميز فلسفة حياة
جاء قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، بمنح أوسمة رئيس الوزراء للموظفين المتميزين في حقل الإبداع ومجالاته المتعددة، ليضع لبنة أخرى من اللبنات المباركة في بناء النهضة والتطور الذي تسعى إليه الإمارات بخطى حثيثة طموحة، ولتبقى كما أراد لها حكامها الكرام سباقة نحو التميز لتجعل منه فلسفة حياة.
وبين ثنايا هذه الجائزة العظيمة، كانت رسالة سموه، حفظه الله، بأن تتم ترجمة الأقوال النظرية إلى أفعال وبرامج ومبادرات إبداعية على أرض الواقع.
نعم، هذا هو فن صناعة التميز في الحياة الوظيفية، فلا شك أن فكرة التميز وروح الإبداع ليست عبارة يرددها الأدعياء أصحاب الأماني، بل هي نظام حياة أولاً، وفلسفة تغدو في نفوس الطامحين منبعاً لصناعة المعجزات.
وتقوم نظرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد للإبداع، على فلسفة صناعة المبدعين وإخراجهم من بين أكوام الكسالى المتقاعسين، فإذا كانت أدوات الإبداع ـ كما قال سموه يوماً ـ سلعاً موجودة في الأسواق نستطيع شراءها من أميركا أو اليابان أو أوروبا، فإن الإبداع ليس سلعة ولا الحماس كذلك، بل يجب أن نعثر على أصحابهما ونطورهم، ومهما يكن المدير جيداً فإننا نريد أن نخرج من الصفوف الخلفيّة الثالثة والرابعة، أصحاب المواهب والطاقات الواعدة. هؤلاء هم المخزون الطبيعي للطاقات البشرية التي نحتاج إليها، وهنا مخزون الإبداع والأفكار الكبيرة التي نحتاجها في الطريق إلى المستقبل، بعد صقلها وإثرائها بالتدريب والخبرة…
ولكن رؤية سموه هذه وطموحه العظيم في أبناء الإمارات، يستلزم منهم تجاوباً في مستوى حسن الظنون، وإقبالاً على الإبداع على درجة المأمول، وحرصاً على التميز كما يتطلبه الواجب وأكثر من ذلك. هذا الذي نقوله أقل نصاب الوفاء لهذا الوطن الذي أعطى لأبنائه الكثير، ولم يبخل على أي منهم بما يحتاجه الابن البار ليؤدي واجب البر والوفاء.
ولكن أكمل أنواع التميز والإبداع، هو ذاك الذي يغدو ثقافة في حياة الناس، فلا يقبلون إلا المتميز ولا يخرج من بينهم إلا المتميز، وهو ذاك المجتمع الذي يكون فيه التميز ليس مجرد سباق نحو جائزة ـ مع ما لذلك من أثر كبير في تحفيز الطاقات واستثارة الهمم لبلوغ الأحسن والأجود ـ بل يصبح نمطاً يتعارف عليه الناس ولا يعرفون سواه، وهو هذا الأمل الذي أحاط به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم شجرة الإبداع والتميز، حين قال: «إن أضمن طريقة لإدامة الامتياز، هي أن يعتاد الناس عليه ويصبح جزءاً من السلوك والتفكير، في التجارة والصناعة والزراعة وفي البيت والعمل والمدرسة وأماكن الترفيه وكل شيء آخر»، أي أن يرتبط الامتياز بحياتهم وأن يقابل كل ما هو دون ذلك بالرفض.
فإذا أصبح الامتياز امتداداً طبيعياً للتكوين النفسي للناس، فإن العلاقة السابقة مع اللا امتياز ستنقطع، وستصبح العودة إلى المقاييس والمعايير والتطلعات القديمة مثالاً على التخلف والارتداد. وإذا أردنا الامتياز أن يُورق وينمو ويثمر، يجب أن نزرعه في عقول الناس، و«لا بد من دراسة تجارب الجودة وأرشفتها وتعميمها وحفظها، لكن أضمن طريقة للمحافظة على الامتياز هي حفظه داخل اللاوعي في المجتمع».
ولكن واجب المجتمع أيضاً أن يبذل الجهد الواجب منه، لإخراج وتحفيز هذه الطاقات المبدعة وتكريسها والإشارة إليها لتغدو قدوة للآخرين، بل أكثر من ذلك أن يصبح المجتمع ذاته حارساً على شجرة التميز، فلا تقربها أيدي الكسالى المتهاونين ولا يقطف ثمارها إلا الطامحون.
ولا شك أن أفضل طريقة في هذا المضمار تكفل دوام تقديم الأفضل للمجتمع، هي ربط الامتياز بمصالح الناس وبمستقبلهم وأدائهم ومكانتهم في المجتمع. وكما أكد سموه مراراً أننا «لن نستطيع إيقاف السباق الكبير نحو الامتياز، لذا يجب أن ننخرط فيه، فإذا انخرطنا فيه يجب أن نستثمر الجهد والوقت والأدوات، وستكون للجميع مصلحة كبيرة ودائمة في المحافظة على استثماراتهم».
فحين يتسابق الأفراد في بذر نوى الإبداع، ويتكفل المجتمع بتربيتها ورعايتها وسقايتها وحراستها، تكبر تلك الشجرة وتتسامى علواً بين الناس، وتستحق ثمارها كل التكريم والاحترام لأنها هي الأنفع للناس. فالكل مطالب بدخول هذا المضمار الشريف، إن لم يكن بدافع التميز فليكن بدافع الواجب الذي لا مناص منه أمام كل مخلص لأرضه وأهله.
الردود