ما هو الكوتشينج والميتا-كوتشينج؟ ولماذا نحتاج إليهما؟
ما هو الكوتشينج؟ وهل الكوتشينج هو التدريب؟
والإجابة على هذا السؤال تتطلب تعريف ما يسمى بمهن المساعدة (Helping Professions)، وهي المهن التي تقوم على مساعدة الآخرين. وفي هذا السياق نتكلم عن أربع مهن بينها وبين الكوتشينج تشابه، مع بيان الفروق بينها، ثم سنتكلم عن الكوتشينج والميتا-كوتشينج إن شاء الله
مهن المساعدة
كما يظهر من الاسم، هي المهن التي تقوم على مساعدة الآخرين بشكل ما. والذي يعنينا هنا الكلام على أربع مهن أحياناً يحصل الالتباس بينها وبين الكوتشينج: التدريب، والعلاج، والاستشارة، والإرشاد
المهنة الأولى: التدريب (Training)
التدريب هو عملية “تنمية مهارة”، وعادة ما يُقدم في شكل دورات. فعلى سبيل المثال، هناك تدريب مهني كالتدريب على المهام الوظيفية أو الفنية، وهناك تدريب أسري كدورات التربية والتعاون الأسري، وغير ذلك. فالخاصية الأبرز في التدريب هو تطوير مهارة ما، حيث يقوم المدرب بمساعدة المتدرب على تنمية تلك المهارة من خلال التعليم والممارسة العملية وغير ذلك من الوسائل التدريبية المعروفة. أما الكوتشينج فلا يعتمد على التعليم، وهذا أحد الفروق بينه وبين التدريب
المهنة الثانية: العلاج (Therapy/Counseling)
العلاج هو عملية تركز على المشكلة بغرض حلها. فعلى سبيل المثال، يتعرف المعالج على المشكلة التي يعاني منها الشخص من خلال الأعراض وتشيخصها، ويهدف للوصول إلى حل يعود بالشخص إلى حالته العادية. أما الكوتشينج فلا يُركز على المشكلة، وهذا أحد الفروق بينه وبين العلاج
المهنة الثالثة: الاستشارة (Consulting)
يقوم الاستشاري بمساعدة الآخرين من خلال خبرته في مجال معين. فالاستشاري الهندسي لديه خبرات يقدمها، والاستشاري المالي لديه خبرات يساعد الآخرين بها. فالعمود الأساسي للاستشاري هو الخبرة في مجال أو موضوع ما. أما الكوتشينج فلا يعتمد على الخبرة في المجال، بل ولا حتى المعرفة السابقة به، وهذا ما سنبينه لاحقاً إن شاء الله
المهنة الرابعة: الإرشاد (Mentoring)
أما الإرشاد ففي الغالب ما يعتمد على الأقدمية في مكان أو منظومة ما. تكون العلاقة بين المرشد (Mentor) والمسترشد (Protégé) علاقة المعلم بالتلميذ، أو الأستاذ بالتابع، فيوجهه وينصحه بالطريق الذي عليه أن يسلكه لكي يتقدم في وظيفته أو عمله أو غير ذلك. فالإرشاد أيضاً يعتمد على الخبرة، لكن الفرق بينه وبين الاستشارة أن الخبرة هنا والنصيحة تتعلق بالشخص السائل، في حين إن خبرة ونصيحة الاستشاري تتعلق بمهمة أو موضع معين. وهذا أيضاً ليس هو الكوتشينج، لأن الكوتش لا يُخبر العميل بما يفعل
فإذا لم يكن الكوتشينج شيئاً من هذا ولم يكن هذا هو ما يفعله الكوتش، فما هو الكوتشينج؟ وما الذي يفعله الكوتش؟
المهنة الخامسة: الكوتشينج
الكوتشينج هو من المجالات الحديثة نسبياً وله تعريفات عديدة معظمها يدور حول نفس المضمون. والجدير بالذِّكر أنه ليس هناك (حتى لحظة كتابة هذه المقالة) ترجمة عربية معبرة عن المعنى الحقيقي للكوتشينج، ولعل هذا من أسباب حصول التباس في مفهومه مع مهن المساعدة الأخرى
الكوتشينج عبارة عن حوار، لكنه ليس مجرد دردشة، بل هو حوار من نوع خاص جداً. في حوار الكوتشينج لا يقوم الكوتش بإعطاء نصائح، ولا يخبر بخبراته، ولا يعالج “الأمراض”، ولا يُركز على المشكلات. الكوتشينج عبارة عن عملية تسهيل الوصول إلى الهدف من خلال الأسئلة وإعطاء التغذية الراجعة (feedback) بطريقة خاصة جداً تغوص في قلب الهدف، كل هذا من خلال إجابات العميل نفسه من غير تدخل بمعلومات ولا اقتراحات من الكوتش
قلب الكوتشينج هو الهدف وليس المشكلة. وهذا فرق أساسي بينه وبين العلاج. فالعلاج يركز على التغيير الإصلاحي (remedial change) وهو الذي يهدف إلى الانتقال من المنطقة السلبية إلى المنطقة المتعادلة، أما الكوتشينج فيركز على التغيير الارتقائي (generative change) والذي يهدف إلى الانتقال من المنطقة المتعادلة إلى الارتقاء في المنطقة الإيجابية، حيث تجري عملية تحقيق الذات ويكتشف المرء قدراته والخيارات المتاحة أمامه وتنفتحه أمامه الموارد التي يحتاج إليها للوصول إلى أهدافه
فكيف يتم ذلك كله؟ من المبادئ الرئيسية في الكوتشينج أن كل شخص مختلف عن الآخر، وما يصلح لواحد لا يصلح بالضرورة للآخر. فكل إنسان عنده مناطق قوى تختلف عن الآخر، وكل شخص عنده من الأفكار والإبداعات والاحتياجات والإمكانات ما يجعل كل إنسان فعلاً مختلفاً عن الآخرين. لهذا يعتمد الكوتشينج على الأسئلة لا على التوجيه والإخبار، ومن خلال هذه الأسئلة يستخرج الكوتش من العميل الهدف التفصيلي الذي يريد -بإذن الله- تحقيقه، ويستخرج منه الموارد التي يحتاج إليها، كما يتعرف على العقبات التي يمكن أن تواجهه وكيفية تخطيها، كل هذا من خلال الأسئلة
يمثل الكوتش مرآة حقيقية للعميل. فهو يعطيه تغذية راجعة لما يقوله، ولما يصدر منه، وهذه في ذاتها قيمة لا تقدر بمال، بل إن الكثير من رؤساء مجالس الإدارات والهيئات العليا يقومون بتعيين الكوتش بمبالغ كبيرة جداً فقط لأجل هذه الوظيفة؛ لأن أكثر الناس لا يسمع ما يقوله ولا يرى ما يصدر منه أثناء كلامه أو تصرفه، فمن خلال المرآة التي يكونها الكوتش يتنبه العميل إلى نقاط قوته وإلى ما يحتاج إلى تغيير في سلوكياته، وكلامه، وأسلوبه. ولكن هنا نقطة غاية في الأهمية: دور المرآة هو فقط أن تعكس ما يظهر أمامها، وهذا هو ما يفعله الكوتش في هذه العملية، فهو لا يقول رأيه، ولا يحكم على أفعال أو أقوال العميل، وإنما فقط يريه إياها كما هي، وهو ما يضع العميل في مواجهة لحقيقة أقواله وأفعاله من غير تدخل خارجي ولا آراء قد لا يقتنع بها، وهذه هي أهمية إتقان فن إعطاء التغذية الراجعة
وهنا سؤال يتعلق بعنوان المقالة: ما هو الميتا-كوتشينج؟
كلمة ميتا (meta) بادئة يونانية تعني “ما وراء”، أو “فوق”، والميتا-كوتشينج (( ميتا-كوتشينج علامة مسجلة لمنظمة الميتا-كوتشينج (Meta-Coach Foundation) )) هو مدرسة من مدارس الكوتشينج تعتمد على الكوتشينج في (ما وراء) ما يقوله العميل، وذلك من خلال الأسئلة التي تُخرج ما وراء كلامه من قِيَم وقناعات ومعانٍ ومفاهيم، وتوظيف ذلك كله لخدمة الهدف الذي يرغب في تحقيقه. وهذه إحدى أهم قوى الميتا-كوتشينج، أنه لا يقف عند المستوى السطحي للكلام، بل يغوص ويتعمق في ما وراءه بشكل نُظُمي مبني على الدراية العلمية بمستويات النفس البشرية ونظام العقل-الجسد-المشاعر كنظام متكامل لا تنفصل أجزاؤه عن بعضها
ولأجل أداء هذا الدور بفاعلية وكفاءة، يحتاج الميتا-كوتش لإتقان سبع مهارات رئيسية، يتفرع عنها عشرات المهارات الفرعية
الدعم (Supporting)
الإنصات (Listening)
السؤال (Questioning)
السؤال العالي (Meta-Questioning)
توفير التغذية الراجعة (Giving Feedback)
استقبال التغذية الراجعة (Receiving Feedback)
استدعاء الحالات (State Induction)
الدعم (Supporting)
الكوتشينج هو دعم للعميل في موقفه لكي يستطيع تبنيه، وتفهمه، وتحويله بالشكل الذي يساعده -بإذن الله- على تحقيق هدفه وتخطي أية عقبات قد تواجهه، لهذا يحتاج الكوتش إلى إتقان مهارة الدعم بتفصيلاتها
الاستماع (Listening)
وليس المقصود هو مجرد الاستماع بالأذن، بالمقصود هو الملاحظة الدقيقة والانتباه التام لكل ما يقوله العميل، والأفكار والمشاعر التي تقف وراء ما يصدر منه، فبالاستماع الدقيق يحصل الكوتش على الكثير والكثير من المعلومات التي تمر مروراً عابراً ولا يستفيد منها في مساعدة العميل. فالاستماع هو أم المهارات كلها لو صح التعبير
السؤال (Questioning)
كما تقدم، الكوتش لا يُخبر، ولا يوجه، بل يسأل، يسأل نوعية خاصة جداً من الأسئلة، الأسئلة التي تساعده على الفهم التفصيلي لهدف العميل، وعلى التناغم معه في الاتجاه الذي يقود إلى الهدف، وعلى إحداث التأثير المطلوب للعميل لكي يتجاوز كل ما يحول بينه وبين تحقيق هدفه
السؤال العالي (Meta-Questioning)
وهذه مهارة متقدمة، وهي من إسهامات مدرسة النيوروسيمانتكس والميتا-كوتشينج لمجال الكوتشينج. فالأسئلة العالية تدور حول القيم، والمعاني، والمفاهيم، والقناعات، والتي هي كلها طبقات متراكبة بعضها فوق بعض، بكشفها يتضح للعميل حقيقة ما يجري في نفسه، وتتضح النقطة الرافعة التي بمجرد التعامل معها بالشكل المناسب تختفي العوائق الداخلية وتنفتح الموارد الذاتية بإذن الله
توفير التغذية الراجعة (Giving Feedback)
سبقت الإشارة إلى أهمية “المرآة” التي يوفرها العميل. عملية إعطاء التغذية الراجعة للعميل تكشف أمامه المناطق العمياء التي لا ينتبه لها، وتعطيه إشارات على طريقه تجاه الهدف يتبين له من خلالها مدى التزامه بهذا الطريق، وما الذي يحتاجه لكي يرفع كفاءة سيره عليه
استقبال التغذية الراجعة (Receiving Feedback)
كما أن توفير التغذية الراجعة مهم لمصلحة العميل، فكذا استقباله منه. لا أحد منا تقريباً تعلم كيف يستقبل التغذية الراجعة بشكل فعال ينبني عليه تطوير للسلوكيات والمفاهيم، وبدون هذه المهارة يضيع الكثير والكثير من الفوائد التي من الممكن أن تقفز بأداء الكوتش والعميل على السواء قفزة غاية في القوة
استدعاء الحالات (State Induction)
يتعامل الميتا-كوتش مع منظومة العقل-الجسد-والمشاعر كنظام متكامل يؤثر بعضه في بعض، لأن الحالة الذهنية والجسدية والشعورية تعتبر هي المحرك الأساسي تجاه الهدف، بدون القدرة على استدعاء الحالات المناسبة للهدف (التركيز، الثقة، الحماسة، التحليل، النشاط، الدافعية، الإقدام،…) سيكون الكوتشينج عبارة عن مجرد محادثة لطيفة لكنها غير مؤثرة ولا ينتج عنها حركة حقيقية تساعد على بلوغ الهدف. فالكوتش يعمل دائماً على مساعدة العميل على بناء الحالات التي يحتاجها من خلال التقنيات والمهارات المتقدمة في الميتا-كوتشينج
من الذي يحتاج إلى كوتش؟ وما أهمية الكوتشينج؟
بناءً على ما سبق التعرض له من مفهوم الكوتشينج، فإن كل من له هدف يرغب في تحقيقه قد يحتاج إلى كوتش. ما هي الأهداف التي يمكن أن يساعد الكوتش العميل فيها؟ الأمثلة لا تحصر:
أهداف شخصية (التخلص من العادات غير المفيدة وتكوين عادات أخرى مفيدة، تحقيق أهداف علمية أو أكاديمية، الاستقرار النفسي، الإقبال على العمل،…)
أهداف متعلقة بالعمل (إنشاء وإنجاح مشروع أو شركة، تطوير الأداء في العمل، رفع الكفاءة الإنتاجية، …)
أهداف متعلقة بالعلاقات (الأسرية، الزوجية، الاجتماعية، المهنية،…)
أهداف صحية أو رياضية (بلوغ الوزن المثالي، الإقلاع عن التدخين، التخلص من عادات الأكل الضارة وتكوين عادات صحية، رفع الكفاءة الرياضية …)
أهداف متعلقة بالمجموعات (تكوين فِرَق العمل، تحقيق التنسيق والتناغم بين أفراد المنظومة، رفع كفاءة المجموعة ككل،…)
هذا كله على سبيل المثال لا الحصر، والقائمة لا تنتهي
ومن الجدير بالذِّكر أن صناعة الهدف هي مهارة في حد ذاتها، بل هي من أساسات المهارات، بل إن من الناس من لا يحتاج إلى شيء إلا إلى وضع هدف جيد الصياغة (Well-Formed Outcome) لكي ينطلق إليه بكل قوة. وهذا دور أساسي للميتا-كوتش يقوم به كمحور للجلسة من خلال ثمانية عشر سؤالاً دقيقاً يحدد بها الهدف وما يتعلق به أمامه وأمام العميل
كثير من الناس يسعى للوصول للهدف، لكنه يتشتت، أو يفقد الدافعية، أو يحتار في الطريق، أو تحصل أمامه معوقات، أو يفتقر إلى الموارد الكافية للبدء (أو الاستمرار) تجاه الهدف. فعلى سبيل المثال، ظاهرة التأرجح في الالتزام بالنظام الغذائي (yo-yo dieting) ظاهرة معروفة لأكثر من سار على نظام غذائي من قبل، يبدأ ويلتزم قليلاً، ثم يتوقف في المنتصف، أو يصل إلى وزنه الذي يرغب فيه ولكنه يعود إلى سالف عهده بعد فترة، وهذا مثال واضح جداً لأهمية دور الكوتش لكي يساعد العميل على معرفة السبب وراء ذلك ومن ثم التخلص من ذلك السبب وتجاوزه
ولا يختلف الأمر كثيراً في مجال الأعمال. فالمؤسسات بيئة خصبة جداً للكوتشينج. فما من مؤسسة إلا وترغب في بناء فريق عمل متناغم يعمل كوحدة واحدة في سبيل تحقيق أهدافه وبالتالي أهداف المؤسسة، وفي رفع أداء الموظفين وزيادة الدافعية عندهم، بل إن الإدارة العليا نفسها بما تتعرض له من ضغوط وما يناط بها من مسؤوليات هي إحدى أهم موضوعات الكوتشينج
الردود